حق المريض في معرفة طبيعة مرضه و حقه في تقرير مصيره ..

الأربعاء 13 جانفي, 2010 عند 1:50 م | أرسلت فى حقن للصيادلة, حقن عامة | 2 تعليقان

ان ما يحدث في مصر خطأ بكل تأكيد و يعتبر نوع اخر من انواع فرض الحماية الاجبارية على الاخرين over protection  و الذي يعاني منه الجميع و انا اولهم .. حينما يحاول فرد ان يؤثر في حياة الاخرين او ارائهم  بما يعتقد انه صواب و يبذل الجهد في سبيل ذلك .. مثل ان احاول اقناع شخص ما بشيء ينفعه بينما هو غير مستجيب ( تحدث معي كثيرا في الصيدلية ) ..

ان قيام الطبيب او اسرة المريض باخفاء حقيقة مرضه عنه .. و سلبه الحق في تقرير مصيره هو نوع من التعدي على الحرية الشخصية و الارادة الحرة لهذا الانسان .. و مثال صارخ على ازدواجية المعايير .. في زمن اصبحت المناداة بالحرية الشخصية و احترام ارادة الاخرين هي النغمة الاعلى في المجتمع .. فكيف نعطي الحقوق لجميع من يقوم بتدمير نفسه او نشر الفساد في المجتمع بحجة الحرية ثم نحرم المريض من حقه في المعرفة و في تقرير مصيره ..

رأيي في هذه القضية يعتمد على ثلاث محاور اساسية ..

1 – الارادة الحرة و حق تقرير المصير

2 – تابوهات المريض المصري

3 – الجهل المزدوج

  بدون الربط بين هذه المحاور الثلاثة في نفس الوقت لا يمكن الوقوف على قرار سليم ..

1 – كما سبق و اوضحت .. من حق كل انسان في معرفة حقيقة مرضه و من حق كل انسان ان يقرر مصيره بيديه و أي تدخل او فرض للرأي على هذا الشخص يعتبر نوع من التعدي على حقوقه الانسانية .. و ما يحدث لدينا هو مثال صارخ على الازدواجية التى يعاني منها المجتمع ككل .. و اقرب مثال لها هو عند محاولة التأثير الديني او توجيه النصح الاخلاقي بناء على قناعات معينة .. يتم التصدي لها بكل عنف و اعتبارها تعديا على حقوق الانسان و ارادته الحرة ..

 اننا نعطي الفرد الحرية في التدخين مثلا و تدمير جهازه التنفسي ببطء .. بأي  حجة اذن يتم التعدي على حقوق المريض في تقرير مصيره هو الاخر  ؟

هل لان هذا في مصلحة المريض على الرغم من ارادته ؟ .. لو كان الامر كذلك لكان من حق المجتمع التدخل في حياة الجميع لان هذا في مصلحتهم او مصلحة المجتمع ككل .. و من حق فرد او مجموعة افراد ان تفرض وجهة نظرها على الاغلبية لانها في موضع قوة و ترى ان في هذا مصلحة الجميع ..

هناك مثال قريب عاصرته منذ عام او اكثر .. السيدة التى اجربت لها عملية بتر للساق دون علمها .. بل و رغما عن ارادتها .. و عندما افاقت من التخدير و ادركت ما حدث .. ماتت من الصدمة !!

من قلتلها ؟ .. و هل كان اجراء العلمية بهذا الشكل في مصلحتها ؟

حجة اخري هى ان المريض لا يمتلك المؤهلات العلقية او سنه لا يسمح له بالاستيعاب و حسن التقدير و اختيار الصواب .. الحل في هذه الحالة ان يوكل المريض بارادته من يثق فيه ليفهم عنه و يتخذ القرارات بدلا منه اذا اراد او يناقش ما يفهمه مع المريض و يحاول اقناعه به

و حجة اخيرة و هي ان المريض يمتلك المؤهلات العقلية و لكنه لا يمتلك المعلومات او المعرفة الطيبية اللازمة او يخضع لتأثير عوامل فكرية او نفسية او اجتماعية تعيق اتخاذ القرار الصحيح .. و هذا يقودنا للنقطة التالية ..

2 – تابوهات المريض المصري .. و أهمها .. الامراض النفسية .. و التدخل الجراحي .. و يمكن اضافة الامراض الخبيثة – مثل السراطان  ( على الرغم من انها مشكلة نفسية عامة و ليست تابو للمريض المصري ) 

يجب ان تتوافر عن الطبيب المهارة اللازمة للاقتراب بحذر من هذه المناطق .. فكثيرا ما يتغير رأي الناس في الطبيب بمجرد ان يتم ذكر الامراض النفسية .. و يميل المجتمع لتفسيرات كالجن و اللبس و الاعمال السحرية .. كبديل اكثر راحة للتعبير عن الاضطرابات النفسية ..

كما ان الكثير من المرضى يفضل المعاناة لسنين طويلة و استخدام الادوية بدلا من التدخل الجراحي الذي قد يكون بسيطا و قادر على انهاء المشكلة تماما .. 

و من المعتاد ان يتم اخفاء امر الامراض الخبيثة عن المرضة بحجة حمايتهم من الاكتئاب .. و عدم رفضهم للعلاج و هي في الواقع مجرد حجة لتجنب المعاناة الاسرية و تحمل المسؤلية .. فتختار الاسرة و يختار الطبيب ما يناسبهم و يريحهم نفسيا دون النظر الى ما يريده المريض و يريحه نفسيا و جسديا .. فقد يتم اخضاعه للعديد من الاجراءات المؤلمة و الادوية المدمرة لمجرد ان الاسرة لا تتحمل فكرة ان يتوقف العلاج او يتم رفضه .. حتى لو كانت الحالة ميؤس منها ..

 و بخصوص التأثير النفسي .. فهناك قواعد علمية و منهجية في اخبار المريض ( حتى المقبل على الوفاة ) بحقيقة مرضه .. و توجيه فكره بالنظر الى الامل في الشفاء حتى و لو كانت نسبته ضئيلة .. كيفية اخبار المريض و كيفية شرح الحالة و الاختيارات المتاحة و عواقب كل منها .. و مراعاة الظروف النفسية لهذه الاخبار .. اضافة الى المسؤلية الكبيرة الملقاة على عاتق الاسرة في هذه الحالة من اجل رفع الروح المعنوية للمريض .. و مساندته ..   

كل هذا مجهود يتهرب منه الطبيب و الاسرة على حساب حق المريض فى معرفة حقيقة المرض و حقه في تقرير مصيره .. بالاضافة الى عجزهم عن ادائه بالشكل السليم .. و هو ما يقودنا للنقطة الثالثة :

3 – الجهل المزدوج ..

جهل المريض و اسرته بصفة عامة بالنواحي الطبية من حيث المعلومات الاساسية او الطريقة السليمة في التفكير و اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمسائل الطبية .. و فيما يتعلق بمصلحة المريض .. و على الرغم من ان الانفتاح الاعلامي و تعدد القنوات  الاعلامية قد اتاح الفرصة لقدر من التثقيف الطبي للعامة الا ان الناس تأخذ الانطباعات او الحالات كفكرة دون ان تهتم بالاساس العلمي للكلام .. بالتالي تقوم بتعميم فكرة واحدة عن كل مرض او حالة طبية تتلقى معلومات عنها .. كما ان هذه المعلومات تكون مشتتة و متضاربة لتعدد المصادر .. لو تم حل هذه المشكة .. سيكون هناك قدر كافي من الوعي الطبي يساعد الناس على التعامل مع المواقف الصعبة ..

جهل الطبيب ايضا بالطريقة المثلى للتعامل مع المريض و مع اهل المريض و كيفية اعطائهم المعلومات و عرض الخيارات المتاحة و توضيح نتيجة كل اختيار .. و اعطاء الاسرة فكرة عن الدور الذي يجب ان تقوم به لمساندة المريض .. و رغم ان هناك من الاطباء من يستطيع ان يفعل ذلك بشكل جيد الا انه اما راجع لعوامل شخصية او انه اكتسبه بصورة ذاتية .. دون الانتباه الى ان هذا الامر اصبحا نوعا من العلم و ليس مجرد ممارسات بالخبرة ..

كذلك الطبيب لا يراعي الخلفية الثقافية و العلمية للمريض .. حينما سألت طبيبا ذات يوم .. لماذا لم يشرح للمريض كما شرح لي عندما استفسرت منه عن اجراء معين .. قال لي مباشرة ” لان الناس مبتفهمش “

اضف الى ذلك ان المستشفيات العامة و التعليمية التى يبدا بها الطبيب حياته تسلب من المرضى ادميتهم اساسا .. فلا يكون هناك مجال للحديث عن حق المعرفة او حق تقرير المصير .. وسط كل الحقوق المهدرة و الحالة المزرية التى يعاني منها الفقراء مرتادي هذه المستشفيات ..  بالتالي يتعود الطبيب على نوع معين من التعامل يستمر معه في عمله الخاص سواء عيادة او مستشفى .. 

و اخيرا مع الحالة العامة للبدل و الفساد المستشري في جميع الاوساط .. و تحول المنظومة الطبية سواء من اطباء او صيادلة او خلافه الى مجرد  تجارة و وسيلة للكسب .. في ظل هذه الظروف تكون المناداة بحقوق المريض – سواء معنوية او عملية –  نوع من المزاح الظريف ..

 

لذلك .. اري ان من حق المريض ان يعرف طبيعة مرضه تماما مهما كانت ظروفه و من حقه ان تكون له اليد العليا في تقرير مصيره طالما هو عاقل و واع لما يحدث حوله .. على ان يتم التعامل معه بالطريقة المنهجية السليمة من حيث اخباره بحقيقة موقفه او طرح كافة الخيارات امامه و توضيح النتيجة المتوقعة من كل اختيار ..

2 تعليقان »

RSS feed for comments on this post. TrackBack URI

  1. انه فعلا موضوع هام يا عزيزي..

    في الحقيقة_وكما قلت انت_ فالمشكلة الاساسية تكمن في جهل الناس حول هذا الموضوع..

    للاسف لا يعني الجهلل هنا المراحل التعليمية انما المراحل التثقيفية..

    فلقد كنت اعرف (بروفيسيرا) للاسف فعل الشئ ذاته مع ابيه..

    مات الاب وهو لا يدري باي مرض مات.. وكان تعليل البروفسير للاسف:

    ” امراض كهذه لا يجب ان يعرفها الاخرون”

    موضوع جميل و ارتكازك على النقاط الثلاث ايضا ممتاز..

    شكرا لك يا صديقي..

  2. اهلا يا احمد .. منور المدونة 🙂

    سعيد انك متفق معايا ..


أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.
Entries و تعليقات feeds.